العسس والبصاصون
في: الأربعاء 18 نوفمبر 2020 03:40 GMT
عرف معجم المعاني الجامع العسّاس بأنه (المراقب) والعَسَسْ أنهم (مَنْ يَطُوفُونَ بِاللَّيْلِ يَحْرُسُونَ البُيُوتَ وَيَكْشِفُونَ عَنْ أَهْلِ الرِّيبَةِ وَاللُّصُوصِ) ، أو مايعرف بالدوريات التي تجوب الشوارع ليلاً لكشف أحوال المجرمين والمخالفين ، سهراً على تأمين ممتلكات الناس والحفاظ على الأمن والنظام.
تطور نظام العسس
يرجع إستخدم نظام العسس إلى زمن الخليفة الراشد الأول ( أبوبكر الصديق رضي الله عنه) ، حيث أمر بترتيب دوريات من العسس تخرج الليل لحراسة الناس والأملاك. وكان أول شخص أسندت إليه هذه المهمة هو سيدنا (عبد الله بن مسعود) ، فكان هو أول عسّاس في الاسلام.
كانت الشرطة وظيفة من الوظائف الهامّة في الدولة الإسلاميّة ، كما أنها كانت مرتبطة بالقضاة وتعينهم على تنفيذ الأحكام الشرعيّة وتطبيق الحدود.
كان يطلق على صاحب الشرطة في ذلك الوقت: صاحب الليل ، أو صاحب المدينة ، لأنّه يعمل على حفظ الأمان والنظام، ويساعد الوالي على استتباب الأمن في المدينة ، والقبض على المجرمين والجناة وأصحاب الفساد والشر ليتم تقديمهم إلى القضاء ، وكانت هذه الوظيفة توكل بشكل خاص إلى كبار القوّاد والموالي المخلصين لهم.
الشرطة
مع مرور الزمن تغييرت التسمية من (العَسَسْ) إلى (الشرط) ، وذلك لأنّهم اعتمدوا علامة معينة يعرفون بها ، وجرت عادة العباسيين على اختيار صاحب الشرطة من علية القوم ، ومن أهل العصبيّة والقوّة ، وكانت للشرطة في هذا العصر مهمتين (كبرى وصغرى) فكانت مهمّة الشرطة الكبرى هي الضرب على أيدي الزعماء وعلى أيدي أقاربهم في الظلامات ، والصغرى تحكم في الرعاع وعامّة الناس.
كان يتم تعيين صاحب الشرطة من قبل ولاة الأمصار بعد أن يقع الاختيار عليه ، فكان صاحب الشرطة الذي ينفذ أوامرهم ويعمل على تطبيق سياستهم ، فالوالي هو الشخص المسؤول عن صاحب الشرطة لدى الخليفة ، فهو من اختاره لهذا المنصب.
البصاصون
أما البصّاصون: فهم مايعرف في زماننا بالمخبرين ، حيث استخدم هذا اللفظ لأول مرة في العصر المملوكى واطلق على المخبربن البصاصون ، وكان كبير البصّاصين هو رئيس المخابرات بلغة عصرنا الحالي. و البِصاصة هي الرقابة و التخابر و مفردها (بصّاص). وهي ذات معنى مختلف تماماً عن (البصبصة) ومفردها (بصباص) هو الشخص دائم النظر إلى النساء.
إن أياً من هذه المفردات لم تعد موجودة إلا في الروايات الأدبية في الزمن الحالي، لكن التخابر وكتابة التقارير تعتبر واحدة من الركائز الأساسية لأمن أي دولة، في الحفاظ على أمنها والتأكد من سير الأمور حسب ما يراه الحاكم، أي حاكم كان، وتحقيق الراحة للقوى السائدة في المجتمع.
وفي مقال للكاتب رضي الموسوي كتب التالي:
يعرف الكاتب السوداني مصطفى عبدالعزيز البطل، العسس بأنهم ''الشرطة، وفي الزمان القديم كانت العسس هي الجماعة التي تجوب الطرقات ليلا، سهرا على تأمين الناس وممتلكاتهم والحفاظ على النظام. وأول من استخدم نظام العسس هو الخليفة الراشد أبوبكر الصديق، رضي الله عنه، حيث أمر بطواف العسس في الليل للحراسة.
وأول من أسندت إليه هذه المهمة هو عبدالله بن مسعود، فهو أول عسّاس في الإسلام''. و''العسس'' اسم مشتق كما تورده بعض المواقع من ''عسَّ يَعُسُّ عَسَساً وعَسّاً أَي طاف بالليل''.
ويعرج البطل على البصاصين فيعرفهم بأنهم ''المخبرون، وكبير البصّاصين هو رئيس المخابرات بلغة عصرنا الحاضر. و(البِصاصة) هي الرقابة والتخابر ومفردها (بصّاص). وهي غير البصبصة التي مفردها (بصباص)، وتعني في دارجة بعض الدول العربية، (الرجل المنشغل بالنساء)''.
كلا المفهومين تطور مع عملية التحديث والتطوير التي شهدها العالم، ولم تعد هذه المفردات موجودة إلا في الروايات الأدبية التي يذهب بعضها إلى إسقاطات على الواقع هروبا من العسس والبصاصين في زمننا الحالي، حيث يعتبر التخابر وكتابة التقارير إحدى المرتكزات الأساسية لأمن الدولة، أي دولة، في الحفاظ على أمنها والتأكد من سير الأمور حسب ما يراه الحاكم، أي حاكم، وبما يحقق الوضع المريح للقوى السائدة في المجتمع. والدولة التي تؤمن بأمن مجتمعها تدرب عسسها وبصصاصيها ليكونوا على درجة عالية من الأمانة في النقل وكتابة التقارير عن البلاد والعباد، بما يقدم للمسؤولين صورة واضحة عن الحدث المستهدف لكي يتخذوا فيه قرارا مبنيا على معلومات مؤكدة وليست مشوشة.
وقد حذر القرآن الكريم من النقل المشوَّش والكاذب: ''يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين''. ويبدو أن الدول المتقدمة فهمت الآية الكريمة بعمق وغزارة فاهتمَّت بالأمر بجدية لدرجة أن مستويات عسسها وبصاصيها من حَمَلة الشهادات العلمية والأكاديمية المتقدمة، ويمتلكون الدراية والخبرة، ويخضعون للتدريب المستمر بما يمكِّن متخذ القرار من الاعتماد على تقاريرهم باعتبار أن هؤلاء مؤتمنون في النقل، بخلاف كتَبَة التقارير في العالم الثالث الذين يعاني أغلبهم من الفشل الأكاديمي ومحدودية الذَّكاء وعدم القدرة على نقل المعلومة التي يطير نصفها من عقل المخبر قبل أن يكتبها أو يوصلها إلى المعنيين.. وإذا وصلت فإنَّ أغلبها يفهم بالمقلوب (!!)،
ما يؤدي إلى ارتكاب الأخطاء في اتخاذ القرار، الذي بدوره يحتاج إلى قرار آخر قد لا يكون أكثر صوابا من الأول.. وهكذا. يوما تخيَّل الشاعر العراقي مظفر النواب نفسه وهو جالس إلى حبيبته في حانة يتغزل و''يبصبص'' فيها، وبينما هو كذلك وقعت عينه على أحد البصاصين يكتب ما يسمع في الحانة، فأقسَم النَّوَّاب أنه سيكتِّب البصاصَ دفترا كاملا.. بل (سيفعل) أشياء أخرى عليه.
العسس والبصاصون يخضعون كغيرهم من بني البشر لقوانين الحياة ومعادلاتها، وقد شدد علماء النفس والاجتماع على ضرورة الاهتمام بهذه الفئة من خلال إخضاعها للتعليم والتدريب المستمر ليكون أفرادها متوثبين وأمينين في النقل .. فهل يفقهون؟